حكايتي مع كريم آغا...حدث لن أنساه

حكايتي مع كريم آغا...حدث لن أنساه
حسين حمية * صحافي لبناني (لبنان)
أكثرُ، ما سرّني وشرّفني، في زيارتي القصيرة لإقليم كردستان العراق في أواخر العام 2010، هو استقبال كريم آغا، لي في دارته في مدينة جمجمال القريبة من مدينة السلمانية، كان هذا الاستقبال تشريفاً كبيراً ومغنماً اعتدّ به، ولقد انحفر لقائي معه في ذاكرتي، ومنح الزيارة المذكورة إضافات ثريّة لم أكن أتوقعها، فبلغت بها المرتجى والمراد. ذهابي إلى كردستان العراق حينها، كان بناء لدعوة من صديقي اللواء محمد صابر الهموندي، وكان الهدف، استكشافي أو استطلاع حقيقة الروابط ما بين عائلة آل حمية وقبيلة الهموند. ففي إحدى الوثائق الممهورة بتوقيع أحد المؤرخين اللبنانيين في الخمسينيات من القرن الماضي، تتحدث الوثيقة عن تحدّر آل حمية من قبيلة الهموند، بعد أن جاء جدّهم الأعلى وأولاده من منطقة مازندران إلى بلاد بعلبك، ليخوض فيما بعد، صراعا مريرا لأجل تثبيت مكانته في تلك المنطقة. كنت أتشوّق أثناء لقاءاتي مع الهمونديين في كردستان العراق، لتقصّي صحة هذه الوثيقة من منابعها، وكنت بالوقت نفسه، أدرك وعورة هذه المهمة ومشقتها، كونها، كانت تقتضي من جانبي الإلمام باللغة الكردية وهذا شرف لم أحصّله، أضف أن ضيق الوقت قد أدى إلى اختزال اللقاءات إلى أدنى حد، غير أنها فتحت الطريق واسعا لاستكمال هذا العمل في زيارات أخرى أنوي القيام بها في أقرب فرصة ممكنة. أظهر كريم آغا الاهتمام الذي يليق بموضوع زيارتي واعتبرها شأنا خاصا به، ولمست هذا الاهتمام من طبيعة شخصيته، وهو بالمناسبة شخصية نادرة في هذا الزمان، هي خليط من الماضي والحاضر، تأخذ من التاريخ الغابر فضائل ومكارم، وتنفتح على الحاضر بتؤدة وتحفّظ دون أي نية مسبقة لتعطيل دوران الزمن وقفزات الحياة الإنسانية. أحملُ في ذاكرتي قدرا لا بأس به عن تاريخ الكورد، فهنا في كردستان، قُتل ابن أعظم حكام العالم في تاريخ البشرية، قاهر السلاطين ومبيد الشعوب والأمم، وأقصد الفاتح المغولي تيمورلنك، وتاريخ الكورد هو أكبر من اختزاله بإنجازات صلاح الدين الأيوبي في معاركه مع الفرنجة، فهذا الشعب، أسس العديد من الممالك، وهو من أقدم الشعوب تواجدا على خطوط التماس الملتهبة بين الأمبراطوريات التي تتصارع على الفوز بحكم العالم والبشرية، والكورد انخرطوا بهذه الصراعات الدولية عن طيب خاطر أو بالقوة، وقد دفعوا أثمانا مرتفعة في هذه اللعبة الأممية، وكان نصيبهم منها الموت والتشريد والخراب. عندما جلست مع كريم آغا استحضرت كل هذه الصور أثناء حديثي معه. كان يختزنها في نفسه، ومن السهولة قراءتها على محياه، هي مسكونة فيه، تترجمها ملامح وجهه، فالناظر إليه، يجده يقيم على أبّهة وهيبة ووقار لم تنل منها حادثات التاريخ القاسية، ويفرض حضوره سكونا على مجالسيه، ومنه، اي من هذا السكون، يندفع التاريخ بقوّة ليوفر نصابه المطلوب في حاضرنا الذي نعيش. أسجلُ، لهذا الأمير الهموندي، إضفاءه معنى راقيا لانتمائه لقبيلة الهموند، فهو ليس انتماء عرقيا شوفينيا متزمتا، فالهموند عنده، تقوم على تعدد ديني ومذهبي، فهناك شيعة وسنّة وغيرهما، كما هناك عراقيين وإيرانيين ولبنانيين، لذا قبليته، ليست على المعنى المعروف، إنما هي تمثيل لحقيقة هذه المنطقة التي نقيم عليها، وصورة مصغرة عن تشابكها أوتداخلها الذي يصعب على الحدود المرسومة بالاتفاقات الدولية إلغاؤها أو القفز عنها. كانت زيارتي لكردستان العراق، في لحظة حرجة من تاريخ العراق وتاريخ المنطقة، وهي اللحظة التي نعيشها اليوم، حيث استفاقت كل الحساسيات والعدوات والحزازات بين أقوام المنطقة على هدير التطورات والتبدلات التي تضرب في أطنابها، وهذا ما وضع حكومات المنطقة أمام امتحان عسير لحفظ ما تبقى من تعايش بين هذه الأقوام، وقد أدى الثوران إلى تعجيز القوى الأمنية المولجة عن وضع ضوابط للفوضى الحاصلة واندفاعها باتجاه قتل الأنفس وهتك الأعراض ونهب الأرزاق. لقد وجدتُ في كريم آغا ودوره في بيئته، مدى قدرة مجتمعاتنا الأهلية في لجم مثل هذه الفوضى وحصرها في أضيق الحدود، فالهموندية عنده، ليست على الصورة المشوّهة التي أشاعها مؤرخو العثمانيين أو القوى الاستعمارية التي اقتسمت المنطقة بموجب اتفاقات سايكس بيكو وسان ريمو، إنما هي على صورة أخرى يحتاج إليها العراق اليوم، وتشكل نموذجا تفتقده المنطقة في هذه اللحظة التي تسود فيها العصبيات والعنصريات، وبأي حال سيكون لي حديث آخر عن الهماوند وتاريخهم في مناسبات أخرى. لمست أو رأيت بأم العين – كما يقال – الأمن والهدوء التي تنعم به جمجمال، واستمعت إلى كريم آغا في حرصه على السلام الداخلي لبلده، لجهة حفظ التعايش الوطني بين المكونات العراقية، سواء بين الكورد والعرب وسائر الجماعات الأخرى، أو بين المسلمين والمسيحيين بكافة طوائفهم، أو بين أهل السنّة والشيعة، ففي مجلسه، يحضر هذا العيش الواحد بقوّة، ويغتذي مما يمتلكه كريم آغا من نفوذ وسلطة وطاعة بين ابناء قبيلته. يطول الحديث، عندما تحضرني شخصية كريم آغا، والمقام هنا، لا يتسع لقول كل شيء، لكن بعد عودتي من ضيافته، كنت اتمنى أن يزور لبنان، ليتسنى لمن أحب، أن يتعرف على هذه الشخصية النبيلة والكريمة بالاسم والفعل، وقد تحققت أمنيتي، لكن كانت ظروف الأمير صعبة جدا، كون زيارته جاءت بداعي الاستشفاء وأعقبت وفاة السيّدة الجليلة عقيلته بقليل، لكن، على الرغم من هذه الظروف، حدث التعارف بينه وبين العائلات الهموندية في لبنان، وقد تلقاه الجميع بالمحبة والاحترام والتقدير، وقد سررت لهذا كثيرا، وأدركتُ قيمة ما أنجزته في زيارتي لكردستان العراق..فالأمير كريم ثروة إنسانية لا يمتلكها العراق وحده، فأيضا لبنان له حصة كبيرة فيها.


ئه‌م بابه‌ته 1098 جار خوێنراوه‌ته‌وه‌‌

PM:10:28:20/11/2016